دائما ما تكون رحلة القطار ممتعة ولكن رحلة قطار الايتام غير ذلك فأنها لا تعرف الأنسانية
مدينة نيويورك عام 1854
- لم يكن فيها ناطحات سحاب ولا شوارع وميادين راقية كما هو حالها اليوم
- لكنها كانت مركزاً اقتصادياً يأتيها المهاجرون من كُل حدب وصوب
- فلم تتوقف السفن الكبيرة عن الرسو في الميناء محملة بآلاف المهاجرين اليائسين الذين يرغبون في بدء حياة هانئة مع أولادهم
لكن ما لم يعلمه هؤلاء أن نيويورك ليست الجنة
فوقع المهاجرين الفقراء تحت وطأة الفقر والجوع وعانوا البطالة والأمراض
فمات الكثيرون منهم تاركين أطفالهم بلا معيل
وعاش أطفالهم في الشوارع حتى باتوا أرقًا إضافيًا لا سيما مع اكتظاظ دار الأيتام بما لديها من نزلاء
أصبح الوضع لا يحتمل المزيد ولابد من حل سريع للمشكلة
فكّر شخص يُدعى "تشارلز لورينغ بريس" بحل ينقذ المدينة الحالمة من أطفال الشوارع ويخلصها من جرائم السرقة والتسول
وجاء بحلٍ سيُنهي مشكلة أطفال الشوارع ويزيل وجودهم عن المدينة
لكن ذلك الحل كان كارثياً لأولئك الأطفال المساكين
قطار الأيتام
أرادت نيويورك حلاً غير مكلفٍ للأطفال
وكان الحل المثالي لتشارلز قطاراً يحمل أولئك الأطفال عابراً بهم مختلف الولايات الأمريكية حتى أقصى الشرق الأمريكي
فيعرضُهم فيه للتبني من قبل الأسر الراغبة في تبنيهم
جرى حملهم داخل القطار وفي كثير من الأحيان ضد رغبتهم فهم لم يعرفوا طيلة حياتهم القصيرة سوى تلك الشوارع التي سيتضح لاحقا انها أحن من قلوب بشر لا يعرفون الرحمة
ولم يكن كل الأطفال أيتاماً بل كان للبعض آباء أو أمهات فقراء تخلوا عنهم أو مرضى لا يستطيعون رعايتهم
جرى فصل الأطفال حسب جنسهم وتنظيفهم والباسهم حتى يظهروا بمظهر جيد لمن يرغب في تبنيهم أو الأسوأ.. شرائهم
كان القطار يتوقف في كل محطة فتصطف الأُسر الراغبة في التبني لتختار الطفل الذي ترغب به
- كثيرٌ من الأطفال تم شراؤهم بعقد عمل
فيأتي المزارعون ويفحصون الطفل
وإن كان سليماً يشتريه المزارع بمبلغ زهيد جدا
ليقضي الطفل حياته عبداً في الحقول بلا رعاية وحنان أو تعليمٍ يضمن مستقبله
- آخرون تم تبنيهم من مرضى نفسيين
مثل الشقيقتين نيللي ونيتي الذين تبنتهم امرأة مجنونة كانت تتلذذ بتعذيب الصغيرتين اللتين لم يتجاوز عمرهما السادسة
فجلدتهما بالسوط وأرغمتهما على تناول السمك بالشوك دون أن يكون لهما أي ذنب
في نهاية كُل رحلة من رحلات قطار الأيتام كان يقف في مدينة لاس فيغاس حين يبقى فقط الأطفال الذين يرفض أي أحد تبنيهم
- وهنالك اطفال الأكثر تعاسة الذي لم يتبناهم أحد
فمدينة لاس فيغاس التي كانت المدينة لا تزال في طور البناء وتحتاج عمّالاً لمناجم الفحم المكتشفة حديثاً حيث العمل بأصعب الظروف للبالغين، فما بالكم بالأطفال!
فكانت تلك المناجم المصير الحتمي لمن تبقى من الأطفال الذين لم يرغب أحدٌَ في تبنيهم
- أو الأسوأ من ذلك
الشوراع حيث العصابات الإجرامية تنتظرهم للانضمام إليها في تهريب المخدرات أو تنفيذ عمليات الاغتيال والقتل
استمرت رحلات القطار لما يقرب من 70 عاماً حمل خلالها 250 ألف طفلٍ يتيم
القليل منهم حصل على حياة جيدة بينما عانى الآخرون من المآسي والضياع والعبودية
ولم تنتهي رحلات القطار إلا في عشرينيات القرن الماضي
حين امتلأت الولايات الأمريكية الغربية بالبشر وأصبح لديها أيضا نفس مشكلة أطفال أيتام
هل تعتقد أن أمريكا هي بلاد الإنسانية؟
إرسال تعليق